لانمن على الحشد الشعبي بل نرد الدين

بقلم: صفاء سالم المالكي/
الأمين العام لكتلة منتصرون النيابية
لم يكن تشكيل هيئة الحشد الشعبي مجرد لحظة أمنية، بل محطة تاريخية أعادت للعراق هيبته حين كانت كل المعادلات على حافة الانهيار. واليوم، وبعد أكثر من عقد على تلك اللحظة المفصلية، نقف أمام امتحان أخلاقي وقانوني: هل نردّ الجميل؟ أم نكتفي بالشعارات؟
قانون الخدمة الجهادية والتقاعد لهيئة الحشد الشعبي ليس مجرد تشريع جديد نضيفه إلى رفوف البرلمان. هو تصحيح لمسار تأخر، وإنصاف لفئة ضحّت بما لا يُقدَّر بثمن من أجل بقاء الوطن. ورغم وضوح أحقية هذا القانون، إلا أن تأجيله أو تسييسه بات يبعث على القلق، وكأننا نقول بصمتٍ بارد: “قاتِل، ولكن لا تنتظر شيئًا”.
الحشد ليس حالة مؤقتة.. بل مؤسسة دائمة
عندما لبّى أبناء الحشد الشعبي نداء المرجعية، لم يسألوا عن الراتب، ولا عن التقاعد، ولا عن عدد سنوات الخدمة المحتسبة. قاتلوا لأن العراق كان يناديهم. واليوم، بعد أن تحوّلت هذه التشكيلات إلى مؤسسة أمنية رسمية ترتبط برئاسة الوزراء، من غير المعقول أن تظل حقوق منتسبيها معلّقة، بلا قانون يحسم مستقبلهم بعد الخدمة.
المؤسسة التي وقفت بوجه أخطر تهديد إرهابي في القرن الحادي والعشرين، تستحق قانونًا يحمي ظهرها. وبدون قانون يضمن الخدمة والتقاعد، فإننا نخلق جيلاً من المنسيين الذين أعطوا أرواحهم، ولم يحصلوا حتى على ضمان للشيخوخة أو إصابة أو فقدان.
العدالة لا تتجزأ.. ولا يجب أن تكون انتقائية
بعض الأصوات تعارض القانون بحجة الكلفة المالية، متناسين أن العدالة لا تُحسب بالحسابات الجافة. إن منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية يحصلون على امتيازات الخدمة والتقاعد. لماذا يُستثنى أبناء الحشد الشعبي؟ أليسوا من واجهوا العبوات والكمائن بنفس القدر؟ أليست أجسادهم مليئة بالشظايا نفسها؟
إذا كانت الدولة تطالب الحشد بالانضباط والواجب، فعليها أن تبادله الحقوق. لا يمكننا بناء وطن إذا كنا نعامل فئة من المدافعين عنه كمواطنين من الدرجة الثانية.
ليس منّة.. بل استحقاق
يجب أن يكون واضحًا: قانون الخدمة الجهادية ليس فضلًا من أحد، ولا هبة سياسية. إنه استحقاق قانوني وأخلاقي، تأخّر كثيرًا. ما يطلبه الحشد هو معاملة عادلة، واعتراف رسمي بتضحياته. هذا القانون لا يمنح امتيازات، بل يعيد التوازن لمن قاتل دون أن يسأل: “ما المقابل؟”
ولن نسمح أن يُستخدم هذا الملف كأداة ضغط سياسي أو ورقة مساومة على طاولة التفاهمات.
الرسالة الأخيرة
على البرلمان أن يتحرك بضمير حيّ. وعلى الحكومة أن تدعم هذا التشريع بالكامل، دون مماطلة أو حسابات ضيقة. التأريخ لا يرحم، والناس لا تنسى من وقف معهم حين كادت تبتلعهم نيران الفوضى.
بإقرار قانون الخدمة الجهادية والتقاعد لهيئة الحشد الشعبي، لا نصنع معروفًا، بل نصون الكرامة. وهذا هو جوهر الدولة العادلة.